فصل: (كفارةُ إفسادِ الصومِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عمدة السالك وعدة الناسك



.[حرمةُ التصرفِ بالمالِ قبلَ إخراجِ الزكاةِ]:

يحرُمُ على المالكِ أنْ يأكلَ شيئاً منَ الثمرةِ، أوْ يتصرفَ فيها ببيعٍ وغيرهِ قبلَ الخَرْصِ، فإنْ فعلَ ضمنهُ، ويُندبُ للإمامِ أنْ يبعثَ خارصاً عدلاً يَخرِصُ الثمارَ، ومعناهُ أنهُ يدورُ حولَ النخلةِ فيقولُ: فيها منَ الرطبِ كذا، ويأتي منهُ منَ التمرِ كذا، ويُضمِّنُ المالكَ نصيبَ الفقراءِ بحسابهِ في ذمتهِ، ويقبلُ المالكُ ذلكَ، فينتقلُ حينئذٍ حقُّ الفقراءِ منهُ إلى ذمتهِ، ولهُ بعدَ ذلكَ التصرفُ، فإنْ تلفَ بآفةٍ سماويةٍ بعدَ ذلكَ سقطت الزكاةُ.

.3 - بابُ زكاةُ الذهبِ والفضةِ:

منْ ملكَ منَ الذهبِ والفضةِ نصاباً حوْلاً لزمتهُ الزكاةُ، ونصابُ الذهبِ عشرونَ مثقالاً، وزكاتُهُ نصفُ مثقالٍ.
ونصابُ الفضةِ مئتا درهمٍ خالصةٍ، وزكاتهُ خمسةُ دراهمَ خالصةٍ، ولا زكاةَ فيما دونَ ذلكَ، وتجبُ فيما زادَ على النصابِ بحسابهِ، سواءٌ في ذلكَ المضروبُ، والسبائكُ، والحليُّ المعدُّ لاستعمالٍ محرَّمٍ، أوْ مكروهٍ، أوْ للقنيةِ، فإنْ كانَ الحليُّ مُعدّاً لاستعمالٍ مباحٍ فلا زكاةَ فيه.

.4 - باب زكاة العروض:

إذا ملكَ عَرْضاً حولاً، وكانَ قيمتُهُ في آخرِ الحولِ نصاباً، لزمتهُ زكاتُهُ، وهي ربعُ العشرِ، بشرطينِ: أنْ يتملكهُ بمعاوضةٍ، وأنْ ينويَ حالَ التملكِ التجارةَ. فلوْ ملكهُ بإرثٍ، أوْ هبةٍ، أوْ بيعٍ ولمْ ينوِ التجارةَ فلا زكاةَ. فإن اشتراهُ بنصابٍ كاملٍ منَ النقدينِ، بنى حولَهُ على حول النقدِ، وإنِ اشتراهُ بغيرِ ذلكَ إما بدونِ نصابٍ، أوْ بغيرِ نقدٍ، فحَوْلُهُ منَ الشراءِ.
ويُقوِّمُ مالَ التجارةِ آخرَ الحولِ بما اشتراهُ بهِ إن اشتراهُ بنقدٍ ولوْ بدونِ النصابِ، فإنِ اشتراهُ بغيرِ نقدٍ قوَّمهُ بنقدِ البلدِ، فإذا بلغَ نصاباً زكَّاهُ، وإلا فلا حتى يحولَ عليهِ حولٌ آخرُ، فيقوَّمُ ثانياً، وهكذا، ولا يُشترطُ كونُهُ نصاباً إلا في آخرِ الحولِ فقطْ.
ولوْ باعَ عرْضَ التجارةِ في الحولِ بعرضِ تجارةٍ لمْ ينقطعِ الحولُ، ولوْ باعَ الصيرفيُّ النقودَ بعضها ببعَضٍ في الحولِ للتجارةِ انقطعَ، ولوْ باعَ في الحولِ بنقدٍ وربحٍ وأمسكهُ إلى آخرِ الحولِ، زكَّى الأصلَ بحولهِ والربحَ بحولهِ، وأولُ حولِ الربحِ منْ حينِ نضوضهِ لا منْ حينِ ظهورهِ.

.5 - بابُ زكاة المعدنِ والركاز:

إذا استُخرِجَ من معدنٍ في أرضٍ مباحةٍ أوْ مملوكةٍ لهُ نصابُ ذهبٍ أوْ فضةٍ، في دفعةٍ أوْ دفعاتٍ، لمْ ينقطعْ فيها عن العملِ بتركٍ أوْ إهمالٍ، ففيهِ في الحالِ ربعُ العُشْرِ، ولا تُخرَجُ إلا بعدَ التصفيةِ، فإنْ تركَ العملَ بعذرٍ كسفرٍ وإصلاحِ آلةٍ، ضُمَّ، وإنْ وجِدَ في أرض الغيرِ فهوَ لصاحبها.
وإنْ وجد ركازاً منْ دفينِ الجاهليةِ وهوَ نصابُ ذهبٍ أوْ فضةٍ في أرض مواتٍ، ففيهِ الخمسُ في الحالِ، وإنْ وجدهُ في ملكٍ فهوَ لصاحبِ الملكِ، أوْ في مسجدٍ أوْ في شارعٍ أوْ كانَ منْ دفينِ الإسلامِ فهوَ لُقطةٌ.

.باب زكاة الفطر:

.[وجوبُ زكاة الفطر وعلى من تلزم]:

تجبُ على كلِّ حرٍّ مسلمٍ، إذا وجدَ ما يؤديهِ في الفطرةِ فاضلاً عنْ قوتهِ وقوتِ من تلزمُهُ نفقتُهُ وكسوتُهُم ليلةَ العيدِ ويومَهُ، وعنْ دَيْنٍ ومسكنٍ وعبدٍ يحتاجهُ، فلوْ فضلَ بعضُ ما يؤديهِ لزمهُ إخراجهُ.
ومنْ لزمتهُ فطرتُهُ لزمتهُ فطرةُ كلِّ منْ تلزمُهُ نفقتهُ، منْ زوجةٍ وقريبٍ ومملوكٍ، إنْ كانوا مسلمينَ ووجدَ ما يؤدي عنهم، لكنْ لا تلزمُهُ فطرةُ زوجةِ الأبِ المعْسرِ ومستولدتهِ، وإنْ لزمتْهُ نفقتُهُما. ومنْ لزمَهُ فطرةٌ ووجدَ بعضها بدأ بنفسهِ، ثمَّ زوجتهِ، ثمَّ ابنهِ الصغيرِ، ثمَّ أبيهِ، ثمَّ أمهِ، ثمَّ ابنهِ الكبيرِ، ولوْ تزوجَ مُعسرٌ بموسرةٍ أوْ بأمةٍ، لزمتْ سيدَ الأمةِ فِطرةٌ لأمتهِ، ولا تلزمُ الحرةَ فطرةُ نفسها، وقيلَ يلزمُها.

.[سببُ زكاةِ الفطرِ ومقدارها]:

سببُ الوجوبِ إدراكُ غروبِ الشمسِ ليلةَ الفطرِ، فلوْ ولِدَ لهُ ولدٌ، أوْ تزوجَ، أو اشترى قبلَ الغروبِ وماتَ عقبَ الغروبِ لزمتْهُ فطرتهمْ، وإنْ وُجِدوا بعدَ الغروبِ لم تجب فطرتهم.
ثمَّ الواجبُ صاعٌ عنْ كلِّ شخصٍ، وهوَ خمسةُ أرطالٍ وثلُث بغداديةٌ، وبالمصريِّ أربعةٌ ونصفٌ ورُبْعٌ وسبعُ أوقيةٍ، منَ الأقواتِ التي تجبُ فيها الزكاةُ منْ غالبِ قوتِ البلدِ، ويجزئ الأقِطُ واللبنُ لمنْ قوتُهمْ ذلكَ، فإنْ أخرجَ منْ أعلى قوتِ بلدهِ أجزأهُ، أوْ دونه فلا.
ويجوزُ الإخراجُ في جميعِ رمضانَ، والأفضلُ يومَ العيدِ قبلَ الصلاةِ، ولا يجوزُ تأخيرها عنْ يومِ الفطرِ، فإنْ أخَّرَ عنهُ أثمَ ولزمهُ القضاءُ.

.باب قَسْمُ الصدقاتِ:

متى حالَ الحولُ وقدَرَ على الإخراجِ، بأنْ وجدَ الأصنافَ ومالُهُ حاضرٌ، حرُمَ عليهِ التأخيرُ، إلا أنْ ينتظرَ فقيراً أحقَّ منَ الموجودينَ، كقريبٍ وجارٍ وأصلحَ وأحوجَ.

.[جوازُ تعجيلِ الزكاةِ]:

وكلُّ مالٍ وجبتْ زكاتُهُ بحولٍ ونصابٍ جازَ تقديمُ الزكاةِ على الحولِ بعدَ مِلكِ النصابِ لحولٍ واحدٍ، وإذا حالَ الحولُ -والقابضُ بصفةِ الاستحقاقِ، والدافعُ بصفةِ الوجوبِ، والمالُ بحالهِ- وقعَ المعجلُ عنِ الزكاةِ، وإنْ ماتَ الفقيرُ أو استغنى بغيرِ الزكاةِ، أو ماتَ الدافعُ أوْ نقصَ مالُهُ عنِ النصابِ بأكثرَ منَ المعجلِ -ولوْ ببيعٍ- لمْ يقعِ المعجلُ عن الزكاةِ، ويستردُّهُ إنْ بيَّنَ أنهُ معجَّلٌ، فإنْ كانَ باقياً ردَّهُ بزيادتهِ المتصلةِ كالسّمَنِ، لا المنفصلةِ كالولدِ، وإنْْ تلفَ أخذَ بدلهُ، ثمَّ يُخرجُ ثانياً إنْ كانَ بصفةِ الوجوبِ، ثمَّ المُخرَجُ كالباقي على مِلكهِ، حتى لوْ عجّل شاةً عنْ مئةٍ وعشرينَ ثمَّ ولدَ لهُ سخلةٌ لزمهُ شاةٌ أخرى. ويجوزُ أنْ يفرِّقَ زكاتَهُ بنفسهِ أوْ بوكيلهِ، ويجوزُ أنْ يدفعها إلى الإمامِ، وهوَ أفضلُ إلا أنْ يكونَ جائراً فتفريقُهُ بنفسهِ أفضلُ.
ويُندبُ للفقيرِ والساعي أنْ يدعوَ للمعطي فيقولُ: آجركَ اللهُ فيما أعطيتَ، وباركَ لكَ فيما أبقيتَ، وجعلهُ لك طهوراً.
ومنْ شرطِ الإجزاءِ: النيةُ، فينوي عندَ الدفعِ إلى الفقيرِ أوْ إلى الوكيلِ أنَّ هذهِ زكاةُ مالي، فإذا نوى المالكُ لمْ تجبْ نيةُ الوكيلِ عندَ الدفعِ.
ويندبُ للإمامِ أنْ يبعثَ عاملاً مسلماً حراً عدلاً، فقيهاً في الزكاةِ، غيرَ هاشميٍّ ومطَّلبيٌّ.

.[مصارفُ الزكاةِ]:

ويجبُ صرفُ الزكاةِ إلى ثمانيةِ أصنافٍ لكلِّ صنفٍ ثمُنُ الزكاةِ.
أحدها: الفقراء:
والفقيرُ منْ لا يقدرُ على ما يقعُ موقعاً منْ كفايتهِ، وعجزَ عنْ كسبٍ يليقُ بهِ، أوْ شغلَهُ الكسبُ عن الاشتغالِ بعلمٍ شرعيٍّ، فإنْ شغلهُ التعبدُ فليسَ بفقيرٍ، ولوْ كانَ لهُ مالٌ غائبٌ بمسافةِ القصرِ أُعطيَ، وإنْ كانَ مستغنياً بنفقةِ منْ تلزمُهُ نفقتُهُ منْ زوجٍ وقريبٍ فلا.
والثاني: المساكينُ:
والمسكينُ منْ وجدَ ما يقعُ موقعاً منْ كفايتهِ ولا يكفيهِ، مثلُ أن يريدَ خمسةً فيجد ثلاثةً، أوْ أربعةً، ويأتي فيهِ ما قيلَ في الفقيرِ.
ويعطى الفقيرُ والمسكينُ ما يزيلُ حاجتَهُما منْ عدَّةٍ يكتسبُ بها، أوْ مالٍ يتّجرُ بهِ على حسبِ ما يليقُ بهِ، فيتفاوتُ بينَ الجوهريِّ والبزازِ والبقالِ وغيرهم، فإن لم يحترف أُعطيَ كفايةَ العمرِ الغالبِ لمثلهِ، وقيلَ كفايةَ سنةٍ فقطْ، وهذا مفروضٌ معَ كثرةِ الزكاةِ، إما بأنْ فرَّقَ الإمامُ الزكاةَ، أوْ ربُّ المالِ وكانَ المالُ كثيراً، وإلا فلكلِّ صنفٍ الثمُنُ كيفَ كان. الثالثُ: العاملون:
وهمُ الذينَ يبعثهمُ الإمامُ كما تقدمَ، فمنهمُ الساعي والكاتبُ والحاشرُ والقاسمُ، فيجعلُ للعاملِ الثمن، فإنْ كانَ الثمنُ أكثرَ من أجرتهِ ردَّ الفاضلَ على الباقينَ، وإنْ كانَ أقلَّ كمَّلهُ منَ الزكاةِ، هذا إذا فرَّقَ الإمامُ، فإنْ فرَّقَ المالكُ قسَّم على سبعةٍ وسقطَ العاملُ.
الرابعُ: المؤلفةُ قلوبُهُم:
فإنْ كانوا كفاراً لمْ يُعطَوْا، وإنْ كانوا مسلمينَ أُعطوا، والمؤلفة: قومٌ أشرافٌ يرجى حسنُ إسلامهم، أوْ إسلامُ نظرائهم، أوْ يَجْبونَ الزكاةَ من مانعيها بقربهم، أو يقاتلونَ عنا عدواً يُحتاجُ في دَفعهِ إلى مؤنةٍ ثقيلةٍ.
الخامسُ: الرقاب:
وهمُ المكاتبونَ، فيعطَونَ ما يؤدونَ إن لم يكن معهم ما يؤدون.
السادس: الغارمون:
فإنْ غرِمَ لإصلاحٍ بأن استدانَ ديْناً لتسكينِ فتنةِ دمٍ أوْ مالٍ دُفعَ إليهِ معَ الغِنى، وإن استدانَ لنفقتهِ ونفقةِ عيالهِ دُفعَ إليهِ معَ الفقرِ دونَ الغِنَى، وإن استدانَ وصرفهُ في معصيةٍ وتابَ دُفعَ إليهِ في الأصحِّ.
السابع: في سبيلِ الله تعالى:
وهُمُ الغزاةُ الذينَ لا حقَّ لهمْ في الديوانِ، فيعطَونَ معَ الغِنَى ما يكفيهم لغزوهم من سلاحٍ وفرسٍ وكسوةٍ ونفقةٍ.
الثامنُ: ابنُ السبيلِ:
وهوَ المسافرُ المجتازُ بنا، أو المنشئ للسفرِ في غيرِ معصيةٍ، فيُعطى نفقةً ومركوباً معَ الحاجةِ وإنْ كانَ لهُ في بلدهِ مالٌ.
ومنْ فيهِ سببانِ لمْ يعطَ إلا بأحدهما، فمتى وجِدَتْ هذه الأصنافُ في بلدِ المالِ فَنَقْلُ الزكاةِ إلى غيرها حرامٌ ولمْ يَجُزِ، إلا أنْ يفرِّقَ الإمامُ فلهُ النقلُ، وإنْ كانَ مالهُ بباديةٍ أوْ فُقدتْ الأصنافُ كلُّها ببلدهِ نقلَ إلى أقربِ بلدٍ إليه.

.[كيفيةُ تقسيمِ الزكاةِ]:

وتجبُ التسويةُ بينَ الأصنافِ لكلِّ صنفٍ الثُمُنُ إلا العاملُ فقدْرُ أجرتهِ، فإنْ فُقدَ صنفٌ في بلدهِ فرَّقَ نصيبهُ على الباقينَ فيعطي لكلِّ صنفٍ السُّبُعُ، أوْ صنفانِ فلكلِّ صنفٍ السُّدُسُ وهكذا، فإنْ قسَّمَ المالكُ وآحادُ الصنفِ محصورونَ، أو قسَّمَ الإمامُ مطلقاً وأمكنَ الاستيعابُ لكثرةِ المالِ وجبَ، وإنْ قسَّمَ المالكُ وهم غيرُ محصورينَ فأقلُّ ما يجوزُ أنْ يدفعَ إلى ثلاثةٍ منْ كلِّ صنفٍ، إلا العاملَ فيجوزُ واحدٌ.
ويندبُ الصرفُ لأقاربهِ الذينَ لا يلزمهُ نفقَتهم، وأنْ يفرقَ على قدرِ الحاجةِ، فيعطي منْ يحتاجُ إلى مئةٍ مثلاً قدرَ نصفِ منْ يحتاجُ مئتينِ.
ولا يجوزُ أنْ يدفعَ لكافرٍ، ولا لبني هاشمٍ وبني المطلبِ، ولا لمن تلزمُهُ نفقتُهُ كزوجةٍ وقريبٍ، ولوْ دفعَ لفقيرٍ وشرط أنْ يردهُ عليهِ منْ دينٍ لهُ عليهِ، أوْ قالَ: جعلتُ مالي في ذمتكَ زكاةً فخذهُ لمْ يُجزِ، وإنْ دفعَ إليهِ بنيةِ أنهُ يقضيهِ منهُ، أوْ قالَ: اقضِ مالي لأعطيكهُ زكاةً، أوْ قالَ المديونُ: أعطني لأقضيكَهُ جازَ، ولا يلزمُ الوفاءُ بهِ.
وزكاةُ الفطرِ في جميعِ ما ذكرناهُ كزكاةِ المالِ منْ غيرِ فرْقٍ، فلوْ جمعَ جماعةٌ فطرتَهُمْ وخلطوا وفرقوها، أو فرَّقها أحدهُم بإذنِ الباقينَ جازَ.

.[صدقةُ التطوعِ]:

تندبُ صدقةُ التطوعِ كلَّ وقتٍ، وفي رمضانَ وأمامَ الحاجاتِ وكلِّ وقتٍ ومكانٍ شريفٍ آكدٍ، وللصلحاءِ وأقاربهِ وعدوِّهِ منهمْ، وبأطيبِ مالهِ أفضلُ، ويحرُمُ التصدقُ بما ينفقهُ على عيالهِ أوْ يقضي بهِ ديْنهُ الحالَّ، ويندبُ بكلِّ ما فضلَ إنْ صبرَ على الإضاقةِ.
ويكرهُ أنْ يسألَ بوجهِ اللهِ غيرَ الجنةِ، وإذا سألَ سائل بوجهِ اللهِ شيئاً كُرهَ ردُّهُ.
والمنُّ بالصدقةِ حرامٌ ويُبطلُ ثوابها.

.كتابُ الصيامِ:

.[منْ يجبُ عليه الصوم]:

يجبُ صومُ رمضانَ على كلِّ: مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ على الصومِ، معَ الخلوِّ عن حيضٍ ونفاسٍ. فلا يخاطبُ بهِ كافرٌ وصبيٌّ ومجنونٌ، ومنْ أجهدهُ الصومُ لكبرٍ أوْ مرضِ لا يرجى برؤه، بأداءِ ولا بقضاءٍ، لكنْ يلزمُ منْ أجهدهُ الصومُ لكلِّ يومٍ مدُّ طعامٍ، ويخاطبُ المريضُ والمسافرُ والمرتدُّ والحائضُ والنفساءُ بالقضاءِ دونَ الأداءِ، فإنْ تكلفَ المريضُ والمسافرُ فصاما صحَّ، دونَ المرتدِّ والحائضِ والنفساءِ. فإن أسلمَ أوْ أفاق أو بلغَ مفطراً في أثناءِ النهارِ نُدبَ الإمساكُ والقضاءُ ولا يجبانِ، وإنْ بلغَ صائماً لزمهُ الإمساكُ ونُدب القضاءُ، ولوْ طهُرَتِ الحائضُ أمسكتْ نَدباً وقضتْ حتماً، أوْ قدمَ المسافرُ أوْ برئَ المريضُ وهما مفطرانِ، أمسكا ندباً وقضيا حتماً، أو صائمانِ أمسكا حتماً.
ولوْ قامتِ البينةُ برؤيةِ يومِ الشكِّ وجبَ إمساكُ بقيتهِ وقضاؤهُ.
ويؤمرُ الصبيُّ بهِ لسبعٍ ويُضربُ لعشرٍ.

.[مبيحاتُ الفطرِ]:

ويبيحُ الفطرَ:
1 - غلبةُ الجوعِ والعطشِ بحيثُ يخشى الهلاكَ أو المرضَ، ولوْ طرأ في أثناءِ اليومِ، إذا شقَّ الصومُ.
2 - وسفرُ القصرِ إنْ فارقَ العمرانَ قبلَ الفجرِ، وإنْ نواهُ منَ الليلِ، فإنْ سافرَ بعدهُ فلا، والفطرُ للمسافرِ أفضلُ إنْ ضرَّهُ الصومُ، وإلا فالصومُ أفضلُ.
3 - المرضعُ والحاملُ: ولوْ خافتْ مرضعٌ أوْ حاملٌ على أنفسهما أوْ ولديهما أفطرتا وقضتا، لكن تفديانِ عندَ الخوفِ على الولدِ لكلِّ يومٍ مداً.

.[وقتُ وجوبِ الصومِ]:

ولا يجبُ صومُ رمضانَ إلا برؤيةِ الهلالِ، فإنْ غمَّ وجبَ استكمالُ شعبانَ ثلاثينَ ثمَّ يصومونَ، فإنْ رؤيَ نهاراً فهوَ لليلةِ المستقبَلةِ، وإنْ رؤيَ في بلدٍ دونَ بلدٍ فإنْ تقاربا عمَّ الحكمُ، وإلا فلا، والبعدُ باختلافِ المطالعِ كالحجازِ والعراقِ ومصرَ، وقيلَ بمسافةِ القصرِ، ويقبلُ في رمضانَ بالنسبةِ إلى الصومِ عدلٌ واحدٌ، ذكرٌ حرٌّ مكلفٌ، ولا يقبلُ في سائرِ الشهورِ إلا عدلانِ، ولوْ عرَفَ رجلٌ بالحسابِ والنجومِ أنَّ غداً منْ رمضانَ لمْ يجب الصومُ، لكنْ يجوزُ للحاسبِ والمنَجِّمِ فقطْ، وإنِ اشتبهتِ الشهورُ على أسيرٍ ونحوهِ اجتهدَ وجوباً وصامَ، فإنِ استمرَّ الإشكالُ أوْ وافقَ رمضانَ أوْ ما بعدهُ صحَّ، وإنْ وافقَ ما قبلهُ لمْ يصحَّ.

.[شروطُ الصومِ]:

وشرطُ الصومِ النيةُ، والإمساكُ عنِ المفطراتِ.

.[النيةُ]:

فينوي لكلِّ يومٍ، فإنْ كانَ فرضاً وجبَ تعيينُهُ وتبييتهُ منَ الليلِ، وأكملُهُ: أنْ ينوي صومَ غدٍ عنْ أداءِ فرضِ رمضانَ هذهِ السنةِ للهِ تعالى.
ولوْ أخبرهُ بالرؤيةِ ليلةَ الشكِّ منْ يثقُ بهِ ممنْ لا يقبلهُ الحاكمُ منْ نسوةٍ وعبيدٍ وصبيانٍ، فنوى بناءً على ذلكَ، فكانَ منهُ صحَّ، وإنْ نواهُ منْ غيرِ إخبارِ أحدٍ فكانَ منهُ لمْ يصحَّ، سواءٌ جزمَ النيةَ أوْ تردَّدَ فقالَ: إنْ كانَ غداً منْ رمضانَ فأنا صائمٌ وإلا فمفطرٌ، ولوْ قالَ ليلةَ الثلاثينَ منْ رمضانَ: إنْ كانَ غداً منْ رمضان فأنا صائمٌ وإلا فمفطرٌ، فكانَ منْ رمضانَ صحَّ. ويصحُّ النفلُ بنيةٍ مطلقةٍ قبلَ الزوالِ.

.[الإمساكُ عنِ المفطراتِ]:

وإنْ أكلَ الصائمُ أوْ شربَ، أو اسْتَعَطَ أو احْتَقَنَ، أوْ صبَّ في أذنهِ فوصلَ دماغهُ، أوْ أدخلَ أصبعاً أو غيرهُ في دبرهِ أوْ قُبُلِها وراءَ ما يبدو عندَ القَعْدَةِ، أوْ وصلَ إلى جوفهِ شيءٌ منْ طعنةٍ أو دواءٍ، أوْ تقيأَ، أو جامعَ، أوْ باشرَ فيما دونَ الفرجِ فأنزلَ، أوِ استمنى فأنزلَ، أوْ بالغَ في المضمضةِ أو الاستنشاقِ فنزلَ جوفهُ، أوْ أخرجَ ريقهُ منْ فمهِ، كما إذا جرَّ الخيطَ في فمهِ عندَ فتلهِ فانفصلَ عليهِ ريقٌ ثمّ ردّهُ وبلعَ ريقهُ، أوْ بلعَ ريقهُ متغيراً، كما إذا فتلَ خيطاً فتغيرَ بصبغهِ، أوْ كانَ نجِساً، كما إذا دميَ فمُهُ فبصقَ حتى صفا ريقهُ ولمْ يغسلهُ، أوْ إذا ابتلعَ نخامةً منْ أقصى الفمِ، إنْ قدرَ على قطعها ومجِّها فتركها حتى نزلتْ، أوْ طلعَ الفجرُ وهوَ مجامعٌ فاستدامَ ولوْ لحظةً، وهوَ في جميعِ ذلكَ ذاكرٌ للصومِ، عالمٌ بالتحريمِ، بطُلَ صومهُ، وعليهِ قضاءٌ وإمساكُ بقيةِ النهارِ.
وضابطُ المفطّرِ:
1 - وصولُ عينٍ وإنْ قلَّتْ منْ منفدٍ مفتوحٍ إلى جوفٍ.
2 - والجماعُ.
3 - والإنزالُ عنْ مباشرةٍ أو استمناءٍ عالماً بالتحريمِ ذاكراً للصومِ.

.[كفارةُ إفسادِ الصومِ]:

يلزمُ من فسدَ صومهُ في رمضانَ بالجماعِ مع القضاءِ الكفارةُ، وهيَ:
عتقُ رقبةٍ مؤمنةٍ، سليمةٍ منَ العيوبِ المضرةِ، فإنْ لمْ يجدْ فصيامُ شهرينِ متتابعينِ، فإنْ لمْ يستطعْ فإطعامُ ستينَ مسكيناً، فإنْ عجَزَ ثبتَِ في ذمتهِ، ولا يجبُ على الموطوءةِ كفارةٌ.

.[حكم الناسي والمكره والجاهل]:

فإنْ فعلَ جميعَ ذلكَ ناسياً، أوْ جاهلاً، أوْ مكرهاً، أوْ غلبهُ القيءُ، أوْ أنزلَ باحتلامٍ أوْ عنْ فكرٍ أوْ نظرٍ، أوْ نزلَ جوفهُ بمضمضةٍ أو استنشاقٍ بلا مبالغةٍ، أوْ جرى الريقُ بما بقيَ منَ الطعامِ في خلالِ أسنانهِ بعدَ تخليلهِ وعجَزَ عنْ مجِّهِ، أوْ جمع ريقهُ في فمهِ وابتلعهُ صِرْفاً، أوْ أخرجهُ على لسانهِ ثمَّ ردَّهُ وبلعهُ، أو اقتلعَ نخامةً منْ باطنهِ ولفظها، أوْ طلعَ الفجرُ وفي فمه طعامٌ فلفظهُ، أوْ كانَ مجامعاً فنزعَ في الحالِ، أوْ نامَ جميعَ النهارِ، أوْ أُغميَ عليهِ فيه وأفاقَ لحظةً منهُ، لمْ يضرُّهُ في جميعِ ذلكَ ويصحُّ صومُهُ.
وإذا أكلَ معتقداً أنهُ ليلٌ فبانَ أنهُ نهارٌ، أو أكل ظاناً للغروبِ واستمرَّ الإشكالُ وجبَ القضاءُ، وإنْ ظنَّ أن الفجرَ لمْ يطلعْ فأكلَ واستمرَّ الإشكالُ فلا قضاءَ.
وإنْ طرأَ في أثناءِ اليومِ جنونٌ ولوْ في لحظة منهُ، أو استغرقَ نهارهُ بالإغماءِ، أوْ طرأَ حيضٌ أوْ نفاسٌ بطلَ الصومُ.

.[سننُ الصومِ]:

ويندبُ السُّحورُ وإنْ قلَّ، ولوْ بماءٍ، والأفضلُ تأخيرُهُ ما لمْ يخف الصبحَ.
والأفضلُ تعجيلُ الفطرِ إذا تحققَ الغروبُ، ويُفطرُ على تمراتٍ وِتراً، فإنْ لمْ يجدْ فالماءُ أفضلُ، ويقولُ: اللهمَّ لكَ صمْتُ وعلى رزقكَ أفطرْتُ.
ويندبُ كثرةُ الجودِ، وصلةُ الرحمِ، وكثرةُ تلاوةِ القرآنِ، والاعتكافُ سيما العشر الأواخرُ، وأنْ يُفَطِّرَ الصوَّامَ ولوْ بماءٍ، وتقديمُ غُسْلِ الجنابةِ على الفجرِ، وتركُ الغيبةِ والكذبِ والفحشِ والشهواتِ، والفصدِ والحجامةِ، فإنْ شوتمَ فليقلْ: إني صائمٌ.
وتحرُمُ القُبْلةُ لمنْ حركت شهوتهُ، والوصالُ بأنْ لا يتناولَ في الليلِ شيئاً، فلوْ شربَ ماءً ولوْ جرعةً عندَ السحورِ فلا تحريمَ.
ويكرهُ ذوقُ الطعامِ وعِلْكٌ، وسواكٌ بعدَ الزوالِ، لا كُحْلٌ واستحمامٌ، ويكرهُ لكلِّ أحدٍ صمتُ يومٍ إلى الليلِ.

.[قضاءُ الصومِ]:

ومنْ لزمهُ قضاءُ شيءٍ منْ رمضانَ يندبُ لهُ أنْ يقضيَهُ متتابعاً على الفورِ، ولا يجوزُ أنْ يؤخرَ القضاءَ إلى رمضانَ آخرَ بغيرِ عذرٍ، فإنْ أخَّرَ لزمهُ معَ القضاءِ عنْ كلِّ يومٍ مدُّ طعامٍ، فإنْ أخرَ رمضانينِ فمدانِ، وهكذا يتكررُ بتكررِ السنينَ، ومنْ ماتَ وعليهِ صومٌ تمكَّنَ منْ فعلهِ، أطعمَ عنهُ عنْ كلِّ يومٍ مدَّ طعامٍ.

.فصلٌ: [الأيامُ التي يندبُ صومها]:

يندبُ صومُ ستةٍ من شوالٍ، وتندبُ متتابعةً تلي العيدَ، فإنْ فرَّقها جازَ، وتاسوعاءَ وعاشوراءَ، وأيامِ البيضِ في كلِّ شهرٍ: الثالثَ عشَرَ وتالييهِ، والإثنينِ والخميسِ.
وعشْرِ ذي الحجةِ، والأشهُرِ الحُرُمِ، وهيَ أربعةٌ: ذو القعدةِ وذو الحجةِ والمحرَّم ورجب.
وأفضلُ الصومِ بعدَ رمضانَ المحرَّم ثمَّ رجبٌ ثمَّ شعبانَ، وصومُ يومِ عرفةَ إلا للحاجِّ بعرفةَ ففطرُهُ أفضلُ، فإنْ صامَ لمْ يكرهْ لكنَّهُ تركَ الأولى، ويكرهُ صومُ الدهرِ إنْ ضرَّهُ أوْ فوَّتَ حقاً، وإلا لمْ يكرهْ.

.[الأيامُ التي يحرمُ صومها]:

ويحرُمُ ولا يصحُّ أصلاً صومُ العيدينِ، وأيامِ التشريقِ وهيَ ثلاثةٌ بعد الأضحى، ويومِ الشكِّ وهوَ أنْ يتحدَّثَ بالرؤيةِ يومَ الثلاثينَ منْ شعبانَ منْ لا يثبُتُ بقولهِ منْ عبيدٍ وفسقةٍ ونسوةٍ، وإلا فليسَ بيومِ شكٍّ، فلا يصحُّ صومهُ عنْ رمضانَ، بلْ عنْ نذرٍ وقضاءٍ، وأما التطوعُ بهِ فإنْ وافقَ عادةً لهُ أوْ وصلهُ بما قبلَ نصفِ شعبان صحَّ، وإلا حرمَ ولمْ يصحَّ.
ويحرُمُ صومُ ما بعدَ نصفِ شعبانَ إنْ لمْ يوافقْ عادةً ولمْ يصلهُ بما قبلهُ، ومنْ دخلَ في صومٍ وصلاةٍ فرضاً -أداءً كانَ أوْ قضاءً أوْ نذراً- حرمَ قطعُهُما، فإنْ كانَ نفلاً جازَ قطعُهُما.

.فصل: [الاعتكاف]:

الاعتكافُ سُنَّةٌ في كلِّ وقتٍ، ورمضانُ آكدُ، والعشرةِ الأخيرةِ آكدُ لطلبِ ليلةِ القدرِ، ويمكنُ أنْ تكونَ في جميعِ رمضانَ، وفي العشرةِ الأخيرةِ أرْجى، وفي أوتارهِ أرْجى، وفي الحادي والثالثِ والعشرينَ أرجى، ويُكثِرُ في ليلةِ القدْرِ: "اللهمَّ إنكَ عفوٌّ تحبُ العفوَ فاعفُ عني". وأقلُّ الاعتكافِ لُبْثٌ وإنْ قلَّ، بشرطِ النيةِ وزيادتهِ على أقلِّ الطمأنينةِ، وكونُهُ مسلماً، عاقلاً، صاحياً، خالياً منَ الحدثِ الأكبرِ، وفي المسجدِ ولوْ متردِّداً في جوانبهِ، ولا يكفي مجردُ المرورِ.
والأفضلُ كونُهُ بصوم، وفي الجامعِ، وأنْ لا ينقُصَ عنْ يومٍ.
ولوْ نذرَ الاعتكافَ في المسجدِ الحرامِ أو الأقصى أوْ مسجدِ المدينةِ تَعيَّنَ، لكنْ يجزئُ المسجدُ الحرامُ عنهما، بخلافِ العكسِ، ويجزئُ مسجدُ المدينةِ عن الأقصى، بخلافِ العكسِ، ولوْ عيَّنَ مسجداً غيرَ ذلكَ لمْ يتعيَّنْ.
ويفسُدُ الاعتكافُ بالجماعِ، وبالإنزالِ عنْ مباشرةٍ بشهوةٍ، وإنْ نذرَ مدةً متتابعةً لزمهُ، فإنْ خرجَ لما لا بدَّ منهُ كأكلٍ وإنْ أمكنَ في المسجدِ، وشربٍ إنْ لمْ يمكنْ فيهِ، وقضاءِ حاجةِ الإنسانِ، والمرضِ والحيضِ ونحوِ ذلكَ لمْ يبطلْ، وإنْ خرجَ منَ المسجدِ لزيارةِ مريضٍ، أوْ صلاةِ جنازةٍ أوْ صلاةِ جمعةٍ، بطَلَ اعتكافُهُ، وإنْ خرجَ لمنارةِ المسجدِ وهي خارجةٌ عنهُ ليؤذِّنَ جازَ إنْ كانَ هوَ المؤذنُ الراتبُ، وإلا فلا، وإنْ خرجَ لما لا بدَّ منهُ فسألَ عنِ المريضِ وهوَ مارٌّ ولمْ يعرِّجْ جازَ، وإنْ عرَّجَ لأجلِهِ بطلَ.
وتحرُمُ المباشرةُ بشهوةٍ.
ويحرُمُ على العبدِ والزوجةِ دونَ إذنِ سيدٍ وزوجٍ.